نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: التشكيك في السيرة النبوية (4), اليوم السبت 24 أغسطس 2024 05:26 صباحاً
رأينا فيما سبق من مقالات أن كتابة السيرة بصورة مستقلة بدأت من عهد الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، ثم استمر التدوين فيها بصورة خاصة مستقلة فى الجيل التالى لهم على أيدى أبناء الصحابة الكرام وتابعيهم، ونعنى بقولنا: «بصورة مستقلة» أن المدونات كانت مدونات خاصة بالسيرة النبوية وليست السيرة فيها أمراً عرضياً.
وبعد هذين الجيلين من المصنفين فى السيرة النبوية جاء جيل ثالث عُرفوا باهتمامهم بالسيرة النبوية والمغازى، من هؤلاء عاصم بن عمر بن قتادة (ت 120هـ)، وهو حفيد الصحابى الجليل سيدنا قتادة بن النعمان رضى الله عنه، وعاصمٌ هذا لم يدرك جده قتادة، وإنما يروى عنه بواسطة أبيه، ولكنه أدرك بعض الصحابة الكرام رضى الله عنهم، فأدرك جدته السيدة رُميثةَ بنت عمرو بن هاشم بن المطلب، وأدرك سيدَنا أنس بن مالك، وسيدَنا جابر بن عبدالله رضى الله عنهم وأرضاهم، وقد روَى عنهم.
وقد كان عاصم بن عمر على علم بالمغازى، وله فيها كتابٌ كما ذكر ابن قُتَيبة، وقد عقد مجالس للتحديث بالمغازى فى مسجد دمشق بأمر من سيدنا عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه، وهذا يبين مدى ثقة الخليفة فى علم عاصم بالسيرة والمغازى النبوية، وكيف لا وهو قد أدرك -كما سبقت الإشارة- بعض الصحابة الذين كانوا جزءاً أساسياً من بعض أحداثها؟!
ومن هذه الطبقة أيضاً محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى (ت 124هـ)، من بنى زُهرة أخوال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أدرك عدداً من الصحابة الكرام وروى عنهم منهم سيدنا عبدالله بن عمر بن الخطاب (ت 73هـ)، وسيدنا أنس بن مالك (ت 93هـ) رضى الله عنهم وأرضاهم، وهذا مما يوثق علمه بالسيرة وكتابته فيها.
وقد روَى ابن شهاب كتاب عروة بن الزبير فى المغازى، وكان له هو كتاب فى السيرة النبوية يشير إليه أصحاب كتب السيرة بقولهم: فى سِيَر الزهرى.
ومن هذه الطبقة أيضاً عبدالله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصارى (ت 135هـ)، وجده الأكبر سيدنا عمرو بن حزم رضى الله عنه الصحابى الأنصارى الذى أرسله سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والياً على نجران باليمن ليعلم أهلها ويفقههم فى الدين، وكتب له كتاباً فيه توجيه وتشريع، وقد سبقت الإشارة إلى أن سيدنا عمرو بن حزم اهتم بجمع ما كتبه صلى الله عليه وسلم للجهات المختلفة من كتب، حتى اجتمع لديه منها بضع وعشرون كتاباً، وكان هذا المجموع هو الجمع الأول للوثائق النبوية، وقد ظلت هذه الوثائق مع الكتاب الذى أرسله به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن مع أبنائه وأحفاده من بعده، حتى وصلت إلينا.
وقد تتلمذ جده وأبوه لعدد من الصحابة الكرام، ورووا عنهم، وتولى أبوه إمارة المدينة المنورة والقضاء بها، فهم بيْتُ عِلم. وقد تتلمذ عبدالله نفسه لعروة بن الزبير ولأبان بن عثمان؛ فهو تلميذ مباشر للطبقة الثانية من كُتَّاب السيرة النبوية، وهذا يبين التخصص فى تلقى علم السيرة العطرة، كما أنه أدرك بعض صغار الصحابة، فأدرك سيدنا أنس بن مالك وروى عنه. وقد ألّف كتاباً فى المغازى ذكره الذهبى.
إذن فالتأليف فى السيرة لم ينقطع منذ بدأ فى عهد الصحابة الكرام، بل ظلَّ مستمراً جيلاً فجيلاً، وكان مصنفو كل جيل مهيئين لهذا التصنيف؛ من حيث تتلمذهم للجيل الذى عاش السيرة وكان جزءاً منها، ومن حيث دراسة ما تم تدوينه فى هذا العلم وروايته لمن بعدهم، ومن حيث إقرار الجيل الأول لهم ما تضمنته كتبهم.
وهذه الطبقة الأخيرة من العلماء هم أشياخ محمد بن إسحاق صاحب السيرة المشهورة، التى هذَّبها بعد ذلك ابن هشام، وعرفت باسم سيرة ابن هشام.
0 تعليق